الجمعة، 22 يونيو 2018

في الأدب البوليسي


بقلم : لمياء صالح

لا أعتبر نفسي ناقداً أدبياً و لا حتى كاتباً,إنما أنا (قارئ),يكفيني اسم الفاعل من الفعل (قرأ) فقط.
و المقال الآتي ما هو إلا ملاحظات من قارئ ,قرأ في الأدب البوليسي ، و أعجب به.
قبل كل شيء سنقدم عرضاً تاريخياً موجزاً لأهم مراحل الأدب البوليسي نعرض فيه أهم المعلومات .
أولاً كان التأسيس على يد الأديب و الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو,حيث قدم شخصية الشاب الفرنسي الفقير الذي ينحدر من عائلة كريمة و على علاقة جيدة مع رجال الشرطة (الشيفالييه أوجست دوبين) ,لكن آلان بو لم يقدم سوى ثلاث قصص لدوبين.
تتابعت القصص بعد ذلك من الإنجليز، نذكر مثالا كمحاولات جيدة لقصص كتبها ديكنز, تم تسميتها "محاولات" لأنها لم تكن ببراعة ما سبق.
كان البزوغ و بداية تكون فرع خاص للأدب تحت اسم "الأدب البوليسي" كان على يد السير آرثر كونان دويل مبتكر شخصية شارلوك هولمز,المحقق الخاص الفوضوي عاشق الموسيقى و الملاكمة,حيث أعجب القراء بهولمز كثيراً وصار بعبائته الأسكتلندية و غليونه و قبعته الغريبة أيقونة لكل قراء الأدب البوليسي.

و كعادة الفرنسيين في تحدي الإنجليز, رد الكاتب الفرنسي موريس لابلان على شخصية هولمز بشخصية اللص الظريف أرسين لوبين,الذي يعتبر نفسه ملك اللصوص فلا يسرق إلا من الأغنياء و لا يقتل بل و يعاقب القتلة بنفسه,و له مجموعة من القصص تنكر فيها تحت اسم (جيم بارنيت) و عمل محققاً خاصاً.

ثم كان العصر الذهبي على يد أجاثا كريستي,مبتكرة شخصيتي هيركيول بوارو و ميس ماربل,لم يأتي للآن كاتب في حجم أو ذكاء أجاثا كريستي, شخصية هيركيول بوارو البلجيكي المغرور القصير المهووس بالترتيب تصدرت ترتيب أكثر الروايات مبيعاً في التاريخ,حيث أضافت أجاثا ميزة هامة للغاية: "لا يمكن للقارئ –مهما بلغ ذكائه- أن يخمن نهاية القصة!".
و استطاع القراء من خلال قراءتهم أن يضعوا ثلاثة أنماط للمحققين في تلك القصص :
(كلب الصيد – الأستاذ حركة – العبقري)

 أولاً: كلب الصيد (شيرلوك هولمز – دكتور ثورنديك)
كلب الصيد هو نمط محقق لا يهتم بالوصول للقاتل بقدر ما يريد ان يجمع الأدلة, يكفيه أن يسمع البلاغ من الشرطة أو يسأل شاهداً واحداً ثم يبدأ بجمع الأدلة, سواءً من مسرح الجريمة,أو من متعلقات المشتبه بهم, و يستخدم تلك الأدلة في بناء التصور الخاص بالجريمة و الفاعل و الباعث, يمتاز هؤلاء المحققون بقدرة ملاحظة عالية و ذكاء كبير ، ويظهر ذلك في القصص تباعا.
عيب قصصهم أنه يمكن الكشف عن المجرم قبل نهاية القصة أو من منتصفها بسهولة,تلك كانت شكوى مادج الأخت الكبرى لأجاثا كريستي , فقامت أجاثا بتأليف قصص لا يمكن الوصول للجاني حتى الصفحة التي تكشف فيها عن المجرم بشكل واضح وصريح. !

ثانياً: الأستاذ حركة (أرسين لوبين – سيمون تمبلر "القديس")
الأستاذ حركة ذكي,لكنه ليس ذكياً مثل شارلوك مثلاً,إن قصصه لا تعتمد على الحبكات بقدر ما تعتمد على المغامرات, فالأستاذ حركة يتجسس و يتنكر و يخطف و يهدد من أجل الحصول على الأقوال, و غالباً تنتهي القصة بصراع شخصي بينه و بين المجرم.
لأن الأستاذ حركة ليس محققاً في الأغلب,لكنه لص ظريف,لا يحب الشرطة لكنه يحب العدالة,و يعمل لتحقيق العدالة و السخرية من الشرطة,و أحياناً يعمل مع الشرطة ؛ كما تنكر لوبين في شخصية المحقق الخاص جيم بارنيت أو عندما عمل القديس مع مكافحة المخدرات.
عيب قصصهم الرئيسي هو اعتمادها على المغامرات و الإثارة عوضاً عن الحبكة العقلية.

ثالثاً: العبقري (هيركيول بوارو – المفوض جول ميجريه)
العبقري هو أعتى شخصية محقق يمكن أن توجد, و قصصه هي أفضل القصص. العبقري هو شخص يكفيه سماع شهادات الشهود,و استخدام الأدلة المتوافرة كدعم ثانوي لنظريته.
تكمن عبقريته في أن لا أحد يفكر مثله,أنت ترى كل المعطيات من شهادات و دلائل أمامك,لكنها ليست ذات معنى بالنسبة لك,حتى يأتي العبقري و يريك الخيط الرفيع الذي يربط كل الأشياء ببعضها البعض, فتذهل أنك لم تر هذا من قبل.

الحبكات في تلك القصص هي أقوى حبكة ممكنة, و تمتاز بمرونة شديدة حيث يمكن إضافة أحداث خارج الجريمة للقصة بغرض إظهار نفسية الشخصيات في القصة و طرق تفكيرهم.

في زيارات متعددة لمعارض الكتب والمكتبات ، لاحظت بشكل متكرر تواجد الأطفال في أقسام الكتب البوليسية - أو وضع الكتب البوليسية في أقسام كتب الاطفال-.
أوافق وبشدة على تنشئة الأطفال على القصص البوليسية فهذا يطور لديهم مهارات التحليل والتفكير والمهام المتعددة. لكن ومع هذا ؛ نطرح سؤالا مهما : هل القصص البوليسية قصص للأطفال؟
لننظر في الأمر على أنه سؤال متداول كثيرا وجملة عابرة تسمع  من القراء "القصص البوليسية قصص أطفال"
هل هناك قصص أطفال تناقش علماً مثل علم الجريمة، بها لمحات كثيرة من علم النفس، تناقش قضايا اجتماعية أو أن تحوي معلومات تشريحية و كيميائية أو معلومات عن الأسلحة؟

في الوقت نفسه "كل شيء يمكن تتفيهه وتسفيهه بسهولة" , أدب الرعب كمثال –و هو أكثر نوع من الأدب منتشر في مصر حالياً- يمكن تتفيهه بسهولة, يمكن أن أقول ببساطة أن أدب الرعب لا غرض له سوى إثارة الأدرينالين,و لا قضية له يناقشها –و هذا بالطبع غير صحيح-.
إن وضع الروايات دائماً في مقارنة مع الأعمال الأدبية الثقيلة لكتاب من طراز يوسف إدريس و توفيق الحكيم و نجيب محفوظ هي مقارنة ظالمة,لأن هذا نوع يختلف عن ذلك النوع, قد ينتقد الكثيرون سهولة اللغة و بساطتها في القصص البوليسية كمقارنة ببراعة الأسلوب والنحو وقواعد اللغة في الأعمال الأدبية،  أو حتى ينتقدون طبيعة الترجمة للأعمال الأجنبية التي تمت ترجمتها للعربية،  لكن هذه سمة رئيسية في بناء القصص البوليسية,سهولة اللغة لأن لا يشتت القارئ فيستطيع فهم القصة وتحليلها تحليلا صحيحا معتمدا على الأدلة المتوافرة ، إضافة إلى تحقيق الهدف من الإثارة والتشويق .

هذه كانت مقارنة بسيطة بين أنواع الشخصيات التي قادت العالم البوليسي من شارلوك هولمز، آرسين لوبين و هيركيول بوارو ؛ من ابتكار الكتاب الأجانب.
ترى هل للعرب قدرة على فعل ما فعله هؤلاء الكتاب؟ هل بمقدورهم صنع شخصية جديدة تتصدر عناوين الصحف والمجلات أو أن تولد في عمق كتاب ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق