الجمعة، 11 مارس 2022

شيرلوك هولمز يواجه الموت


 بعد العثور على جثتي الأخوين موسغريف؛ جيفري وفيليب ، وكان من الواضح أنه قد تم قتلهما، تقرأ الوريثة الوحيدة لمنزلهم طقوس موسغريف والتي يعتقد شيرلوك هولمز أنها تحتوي على الدافع وراء الجريمتين في هذه القصة الكلاسيكية الغامضة.

شيرلوك هولمز يواجه الموت ، هو فلم صدر عام ١٩٤٣ بالأبيض والأسود، وهو الفلم السادس من سلسلة أفلام شيرلوك هولمز من بطولة باسيل راثبون بدور هولمز وبيجل بروس بدور واتسون، وهو مقتبس بشكل ذكي من قصة مغامرة طقوس موسغريف للكاتب آرثر كونان دويل.

يعد هذا الفلم مغامرة هولمزية كلاسيكية تتضمن عناصر عديدة، ولكنها اختلفت بظهور خلفية الحرب فيها، وهو ما لم يكن يظهر في قصص شيرلوك هولمز الأصلية حيث كانت في أواخر القرن التاسع عشر. ما يعني ذلك أن من أنتج الفلم أراد أن تكون أحداث الفلم معاصرة للزمن الذي أُنتج فيه الفلم أي في عام ١٩٤٣ -كما يحدث في مسلسل شيرلوك هولمز BBC من بطولة بينديكت كامبرباتش حيث كان في العصر الحديث- ، ولم يؤثر ذلك على القصة أيضاً لم يلعب دوراً واضحاً فيها. تدور الأحداث في عالم يكتنفه الضباب ويقيم شيرلوك هولمز في غرفته المعتادة في 221B في شارع بيكر.

كما يمثل الفلم إنعطافاً حاداً وتغييراً في القصة الأصلية كان مرحباً به هنا؛ حيث يقيم الدكتور واتسون في منزل موسغريف وهو منزل قديم وقاتم من القرن السادس عشر في نورثمبرلاند، ويتم استخدام المنزل كمشفى مؤقت للضباط في فترة النقاهة، ويتولى الدكتور واتسون رعايتهم وذكر لنا في سطور من حديثه الحالات التي يمكن أن تصيب الجندي بعد مشاركته في حرب قاسية، وقد تم تصويرهم في هذا الفلم بتعاطف شديد على أنهم متضررون بشكل واضح.

قلقاً من محاولة قتل مساعده الدكتور بوب سيكستون؛ الذي تعرض لمحاولة قتل، يطلب الدكتور واتسون من صديقه المحقق شيرلوك المساعدة بشكل سري، وفي الوقت نفسه يتم تكليف المفتش ليستراد بالقضية، يشكل هذان الإثنان ثنائياً لا بأس به في قصتنا .. وفي اقتباس كوميدي جميل من الفلم يقول المفتش ليستراد أنه ضائع تماماً و يدور حول نفسه، فيرد عليه هولمز: أنت على هذه الحال منذ سنوات. قد يبدو هذا مجرد مشهد كوميدي بسيط لا معنى له ولكننا يمكننا أن نرى من خلاله انعكاساً للعديد من المغامرات الشيقة التي تشاركها هذان الاثنان معاً في مغامرات شيرلوك هولمز.

تبداً جرائم القتل فور وصول هولمز إلى منزل موسغريف، ويشتبه هولمز أن هناك علاقة وثيقة بين طقوس موسغريف -التي يقوم أفراد العائلة بإلقائها في مناسبات معينة- وبين الجريمتين، وهذه الطقوس قد تم أداؤها لأكثر من أربعمئة عام مضت، وتم أخيراً أداؤها بعد موت أولى الضحيتين. 

حدوث الجريمتين ووجود طقوس بكلمات غريبة منح هولمز الفرصة لحل أحجية ولغز هذه العائلة، سيقوم بعمله المعتاد وهو التحقيق في القضية، مع نص ذكي وضعه كاتب سيناريو الفلم "بيرترام ميلهاوسر" جعل هذه الأحجية في الصدارة، واستخدم فيها عناصر مختلفة عن القصة الأصلية و لكن الأهم من ذلك أنها تبدو و كأنها قصة من قصص شيرلوك هولمز حقاً.

بدت لحظة قراءة الطقوس ودمجها مع رقعة الشطرنج حقاً كلوحة فنية رائعة دلت على إتقان الفكرة. لم يكن الفلم مثالياً، مع ذلك كانت المواجهة بين هولمز والقاتل مشوقة، لا بأس إن كان هذا هو المشهد الوحيد المشوق في الفلم. ربما كان من الأفضل لو أن يشعر المشاهد بأن سالي موسغريف -الوريثة الوحيدة- كانت في خطر أيضاً و لكن تتابع الأحداث كان جيداً من هذه الناحية. ربما أيضاً يخطر ببال أحدهم سؤال مهم يقول فيه لماذا لم يتم وضع سالي موسغريف ضمن المشتبه بهم ؟! في حال أنه قد تم الإشادة إلى قصة قديمة عن أحد أفراد العائلة بأنه قام بقتل أخيه.

لا أحد في العائلة يعرف معنى هذه الطقوس وعليهم تلاوتها حتى لو لم يعرفوا السبب، لمجرد أنه تقليد متوارث فقط، ومعظم أفراد هذه العائلة يعتقدون أنها ليس لها معنى. هذا ما لم يقبل به هولمز حيث كان متأكداً بأنها تحمل معنى غامضاً وسراً كبيراً وراءها وخرج بتفسير بسيط معقول لعدم معرفة أفراد العائلة بمعناها وهو أنه حدث موت أحد أفرادها قبل أن ينقلها إلى الوريث القادم، وهذا تفسير منطقي.

جميع التفسيرات التي يمكن التفكير بها ممكنة ويمكن أن تتجه إتجاهات مختلفة مع تقدم الأحداث ويمكن أن تنتهي بطرق مختلفة أيضاً.

قدّم كلّ من باسيل راثبون وجيريمي بريت (في نسخة الغرانادا ١٩٩٠) تفسيرات مختلفة عن الأصلية، ولكن في كلتا الحالتين كان هناك علاقة وربط بين القصة الأصلية لآرثر دويل وهذه التفسيرات والانعطافات في الأحداث. لقد عرضوا جوانب مختلفة في شخصية الشخصية المعقدة التي تعتمد شعبيتها إلى حد كبير على طبيعتها المعقدة.

يمكن أن تعتبر شخصية الدكتور واتسون في هذا الفلم الأكثر جدلاً، ولكن قد يكون جعله شخصية شبه كوميدية مبرراً كنوع من التغيير على ما سادت عليه القصص والأفلام، حيث كان الخط التمثيلي مظلماً لدرجة أن بعضاً من الراحة الهزلية كانت مرحّباً بها، وهنا يكون واتسون مسلياً دون أن يكون أحمقاً.

يقوم هولمز بعرض قدراته المختلفة من تنكر وطريقة خداعه للعدو والمراوغة ومهاراته في التسلل والتحقيق والبحث عن الآثار و رفع البصمات و غيرها، إلى جانب مهارته التمثيلية و خداعه للقاتل ونصبه الفخ للإيقاع به ومواجهته بالأدلة والبراهين. 

تعد قصة مغامرة طقوس موسغريف غير نمطية لعدة من الأسباب، أولها أن الراوي كان هولمز وليس واتسون، حيث يروي لواتسون قصته حين قدم صديقه القديم من عائلة موسغريف وأخبره أن يأتي ليحل لغز اختفاء الخادم لديهم. مع ذلك تعتبر هذه القصة واحدة من أفضل القصص الأصلية التي تحوي أحجيات وألغاز. 

في حين أن الفلم يدور بشكل أساسي حول نفس المشكلة و لكن بطريقة مختلفة. إلى جانب الاختلاف الكلي في نص الطقوس بين القصة والفلم.  في نهاية الفلم يقدم هولمز رسالة إنسانية مجتمعية لن نقوم بذكرها فالأفضل أن يراها ويسمعها المشاهد بنفسه بصوت شيرلوك هولمز.