الخميس، 19 أكتوبر 2017

شعبية الأدب البوليسي

    يختلف الناس في آرائهم وأذواقهم في انتقاء ما يقرؤون من كتابات تندرج تحت أنواع عدة فمنها ما يمتاز بطابع التشويق ومنها الأكشن والرومنسي والإثارة والغموض والكوميديا ومنها ما يروي قصص أناسٍ من المجتمع المحلي ومشكلاتهم ومنها ما يعرج إلى حل هذه المشكلات .

من خلال نظرةٍ سريعة نجد أن الناس يتفاعلون مع المحتوى البوليسي بشكلٍ كبير ، فقصص شارلوك هولمز أحدثت ضجة كبيرة عند نشرها في أواخر القرن التاسع عشر و بداية العشرين  و اليوم لا تكاد مكتبة في بلاد العرب أو العالم تخلو من روايات أغاثا كريستي 
كما أنا المسلسل التلفزيوني Sherlock  - من انتاج BBC  -  حظي بالعديد من المشاهدين العرب  
وإذ بسؤال يطرح نفسه ؛ ما السبب وراء انتشارها وإقبال الناس على قراءتها أو متابعتها ؟

    لعل من أهم الأسباب التي تجذب القارئ لقراءتها هو ضمها لجميع تلك الصفات من تشويق وإثارة وغموض وغيرها ، وفي بعض الأحيان أيضًا تجد الكوميديا في سرد الأحداث او حتى في الحوارات ، وتكون مناسبة لجميع الأعمار ، ولكن الأهم هو تركيزها على الحبكة والمشكلة وطريقة حلها .

يبدو أن هذا النوع من القصص بما فيه من غموض يلعب على وتر غريزة ما موجودةٍ عند البشر تعني بالتشوق إلى رؤية حل ما هو معقد 

    الكثير من القراء ينجذبون نحو شخصية البطل في القصة ، غامض، ذكي، أنيق ، قصته وسبب ظهوره وكيفيتها ، مكان وزمان القصة والمدة التي استغرقتها ، ورود المعلومات العلمية والتاريخية وأهمها الواقعية منها مع ذكر يسير للأحداث الخيالية .

    لربما يكون السبب الأقوى لتفضيل الكتابات البوليسية ، وهو الألغاز والقضايا التي تتضمنها ومدى محاكاتها للعقل وفهمها والتفكير في أسباب جذرية وحلول مبدئية لها. ان من دواعي قراءتها بناء الشخصية وايجاد الأفكار العامة والخاصة وتطبيقها لأنها - من رأي شخصي - تجسد الأخلاق والمبادئ والأفكار، فكما هو معروف ان الروايات البوليسية اقترنت بالشرطة والتحقيق في القضايا المبهمة، والشرطة هي رمز الأمن والصلاح في المجتمع.

    أبرز من هذا كله ان هذا الكاتب العظيم يؤطِّرُ جميع أفكاره وكتاباته ويضع لها أهدافاً وبدايةً ونهايةً وكأنه يضع اطاراً للوحة كاملة المعايير.
   مِن أبرز مَن خطّوا بقلمهم تلك الكلمات هو الكاتب العظيم السير آرثر كونان دويل حيث برع في سرد قصصه الشيقة عن الشخصية العظيمة المتحري شارلوك هولمز، وقد برع في وصف لقاءه الأول بمساعده الطبيب واتسون، وغيره مثل الكاتبة الشهيرة اغاثا كريستي، ويعتبر إدغار ألان بو مؤسس القصة البوليسية بقصته "جرائم شارع مورغ".

    لقد أبدعوا في أبسط الأمور كما نظن، كاختيار عنوان مناسب للقصة يحبس أنفاس القارئ حتى نهايتها أو أن يطلقوا على شخصياتهم المبتكرة أسماءاً تناسب صفاتهم وما ذُكر عنهم، وبالعودة لشارلوك هولمز - وهو الشخصية الأشهر في العالم - فقد وصفه دويل وصفاً دقيقاً من حيث الشكل والمظهر والعلامات المميزة له كالغليون الذي كان يستخدمه، وطريقة الحديث والحركة والجلوس، كل هذا ظهر فقط من خلال كتاباته.
   لربما يشوّق القارئَ أكثر ان تكون الأحداث ذات طابع خطر كوجود القنابل وأحداث القطارات وسفوح الجبال حيث يسردها بطريقة مشوقة تثير الفضول، بالإضافة إلى التفصيل في السرد - من وجهة نظر أغلب القراء - فإن الكاتب مطالب بوضع جميع التفصيلات،  لدرجة أن يتخيل القارئ جميع الأحداث والأماكن والأشخاص مع المحافظة على الطابع التشويقي. أو أن تندرج تحت عنوان النهاية الغامضة.

    هؤلاء قد قدّموا إلينا كنزاً وضعوه في أيدينا ولا يعرف قيمته إلا من عرفها حق المعرفة وجرب العيش في أحداثها وضواحيها تحت اضواء مصابيحها.