الأربعاء، 11 يونيو 2025

مراجعة لرواية "شجرة التفاح - ملفات بوليسية"

 شجرة التفاح - ملفات بوليسية 

رواية شجرة التفاح لمؤلفها الكاتب الروائي المغربي طه محمد الحيرش، إحدى الروايات الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية، من فئة الروايات غير المنشورة عام ٢٠١٧، ربما يعود السبب في عدم انتشارها إلى أنها رواية بوليسية وإلى انتمائها للأدب البوليسي العربي وهو الذي بدوره ما يزال يواجه صعوبة في الوصول إلى المستوى المطلوب للإنتشار عالمياً، بوجود نسبة كبيرة من القراء الذين لا يستسيغون الأدب البوليسي المكتوب بقلم عربي وينسبون السبب في ذلك إلى أن الأدب البوليسي أجنبي الأصل ويصعب تقبله عربياً، حيث لا يكفي تعريب أسماء الشخصيات والأماكن والمشروبات لأن تكون الرواية عربية، بل يجب أن تعطي طابعاً عربياً يعكس أجواء عربية شعبية. 

وهذا الموضوع قد تمت الإشارة إليه في لوحة من لوحات مرايا للأستاذ ياسر العظمة بعنوان "جريمة في ليفربول"، حيث سلطوا الضوء على الكاتب العربي والصعوبات التي يواجهها في نشر كتاباته الأدبية ومنافستها للمترجمات الأجنبية. وأشار أيضاً إلى أن الساحة الأدبية تعاني من فراغ كبير يصعب على الكاتب العربي تعبئته سواء كان ذلك في مجال الأدب البوليسي أو غيره من ألوان الأدب. 

بالعودة الى شجرة التفاح، استطاع الكاتب أن يؤلف أحداثاً بوليسية بطابع عربي مغربي وأجواء عربية ليست مجرد أسماء أو أماكن، وبلغة عربية فصيحة قادرة على جذب الإنتباه، وتوظيف أساليب الكتابة والمحسنات البديعية للنص الأدبي، واستخدامه للصور المشبهة وحسن توزيع الأفكار الرئيسية والأهم تتابع الأحداث.

في مقارنة سريعة بين شجرة التفاح وما قرأنا من روايات بوليسية مترجمة عالمية الإنتشار كروايات السير آرثر كونان دويل والكاتبة العظيمة أغاثا كريستي، فإن مؤلف شجرة التفاح لديه من الخيال البوليسي ما يكفي للوصول الى مستوى جيد، والقدرة على توظيف أساليب الكتابة العربية في أجواء بوليسية وأحداث خيالية متوازنة مع المنطق.

على الرغم من أن الأدب البوليسي الأجنبي يعتبر تراثاً وتاريخاً حيث بدأ ظهوره من أكثر من قرنين، إلا أننا يمكننا القول أن الحيرش استطاع النفوذ بروايته والتغلب على الصعوبات التي يواجهها الكاتب العربي أمام المترجمات الأجنبية، واستطاع تحطيم حاجز "المجهول عربياً" كما تمت تسميته.

تبنى الرواية على نظام المعلومات المتعاقبة حيث يعتمد كل حدث على ما سبقه من أحداث، وفي حالة هذه الرواية فيلزم لنجاح عملية ربط القارئ بجميع التفاصيل توفر عوامل متعددة، بعضها يتعلق بطبيعة الأحداث وسيرها، والآخر يتعلق بالقارئ نفسه، الذي بدوره يجب أن يمتلك القدرة على الاندماج مع القصة دون أن يغيب ذهنه، ما يعني مهمة إضافية على الكاتب وهي أن يجعل الرواية مشوقة وغير مملة.

هناك نقطة مهمة في الرواية وهي الكشف المتواصل، وذلك مناسب لنظام الرواية البوليسية التي يجب أن تكون متوالية السرد ومتعاقبة الأحداث، لأن الرواية البوليسية لن تصل إلى المستوى المطلوب ما لم تعتني بالترقب والكشف المتتالي سوية، وإلا تحولت إلى نوع آخر من أنواع الأدب.

عكست هذه الرواية واقعاً عربياً ليس بالضرورة ان يكون واقعياً، ولكن المنطقية مطلوبة. وحتى لو كنا نميل في الاعتقاد الى ان الاحداث البوليسية والجرائم لا تحدث في عالمنا العربي ولكنها مع الأسف موجودة فعلاً. وكما يوجد عالم بوليسي حقيقي أجنبي هناك مثله واحد عربي موازٍ له مع الاختلافات المترتبة عليهما كالأبنية والعادات والتراث والأنظمة الخاصة وما تبعها.

كان "المحقق عمر" وهو بطل الرواية قادراً على منافسة بعض المحققين في الروايات البوليسية الأخرى -ليس بالضرورة العالمية منها-، بقدرات عقلية طبيعية كشخص طبيعي يصيب ويخطئ، ذلك يعني أن مؤلف شجرة التفاح لديه أسلوب كتابيّ يمكنه من الوصول إلى مستويات جيدة على نحو يستطيع من خلاله شق طريقه إلى العالمية، ما يعني أيضاً التغلب على مشكلة فراغ الكاتب العربي في الساحة الأدبية.

المحقق عمر والمؤلف طه الحيرش، وجهان لعملة واحدة، فالحيرش يعد الشخصية الحاضرة الغائبة في الرواية، ولكن القارئ سيجده في كل سطر في القصة على هيئة المحقق عمر، من خلاله ايضاً سيعيش القارئ دور المحقق في عدة مواطن، فتارة يكون المؤلف هو الراوي وتارة يكون المحقق هو الراوي بنفسه.

 ورد عن المؤلف أنه درس الحقوق في مدينته طنجة المغربية -وهي المدينة نفسها في الرواية- وخالط السجناء لأوقات طويلة. وقام بتأسيس جمعية (بصمات.كوم) التي تمت الاشارة إليها في سطور الرواية. 

قد ذكر المؤلف بشكل مدمج مع القصة ما يمكن تسميته بأدوات أو عناصر الرواية البوليسية ومنها استخدام أساليب استجواب مناسبة لكل شخصية تم التحقيق معها، فمنها الواثق بنفسه ومنها المتردد وهكذا. ولا ننسى ذكره لعنصر مهم هنا وهو علم التعمية، وهو علم يعالج سبل إخفاء المعلومات المرسلة من جهة إلى أخرى، وهو نفسه ما يسمى بفك الشيفرات، وذكر طرق متعددة لعلم التعمية وشرح بعضها بطريقة مفهومة وموجزة يسهل على أي قارئ من أي فئة عمرية فهمها. 

بعد صدور روايته البوليسية الأولى "شجرة التفاح" ، تأتي بعدها رواية "ملاك" وهي الرواية الثانية في مشروع ثلاثية "متاهة الحروف" وتدور احداثها حول جرائم قتل غامضة تحدث في مدينة طنجة المغربية ويتم تكليف الضابط عمر بحل ملابساتها عبر اقتفاء دلالات الرموز التي يتركها الفاعل. 

فهل يكون الكاتب طه محمد الحيرش من الكتاب الذين سيشقون طريقهم نحو العالمية بسلسلة قضايا المحقق عمر ؟! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق